الأورام الليفية الرحمية سبب شائع لغزارة الطمث وفقر الدم، ومعدل حدوثها مرتفع للغاية، حيث تُصاب حوالي 70% إلى 80% من النساء بالأورام الليفية الرحمية خلال حياتهن، وتظهر أعراضها على 50% منهن. حاليًا، يُعد استئصال الرحم العلاج الأكثر شيوعًا، ويُعتبر علاجًا جذريًا للأورام الليفية، إلا أن استئصال الرحم لا ينطوي فقط على مخاطر ما بعد الجراحة، بل ينطوي أيضًا على زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والقلق والاكتئاب والوفاة على المدى الطويل. في المقابل، تُعتبر خيارات العلاج، مثل انصمام الشريان الرحمي، والاستئصال الموضعي، ومضادات GnRH الفموية، أكثر أمانًا، ولكنها غير مُستخدمة بالكامل.
ملخص الحالة
امرأة سوداء تبلغ من العمر 33 عامًا، لم يسبق لها الحمل، راجعت طبيبها العام وهي تعاني من غزارة الحيض وغازات في البطن. تعاني من فقر الدم الناجم عن نقص الحديد. جاءت نتائج فحوصات الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي سلبية. لم يُلاحظ وجود دم في البراز، ولم يكن لدى المريضة تاريخ عائلي للإصابة بسرطان القولون أو التهاب الأمعاء. أفادت المريضة بانتظام دورتها الشهرية، مرة واحدة شهريًا، كل دورة شهرية مدتها 8 أيام، ودون تغيير على المدى الطويل. في الأيام الثلاثة الأكثر غزارة من كل دورة شهرية، تحتاج إلى استخدام 8 إلى 9 سدادات قطنية يوميًا، وقد تعاني من نزيف حيضي أحيانًا. تدرس المريضة للحصول على الدكتوراه وتخطط للحمل خلال عامين. أظهر التصوير بالموجات فوق الصوتية تضخمًا في الرحم مع أورام عضلية متعددة ومبايض طبيعية. كيف ستعالجون المريضة؟
يتفاقم معدل الإصابة بالأورام الليفية الرحمية بسبب انخفاض معدل اكتشاف المرض، ونسب أعراضه إلى حالات أخرى، مثل اضطرابات الجهاز الهضمي أو اضطرابات الدورة الدموية. ويؤدي الشعور بالخجل المرتبط بمناقشة موضوع الدورة الشهرية إلى جهل الكثيرات ممن يعانين من فترات طويلة أو غزيرة بحالتهن. وغالبًا ما لا يتم تشخيص الحالات التي تظهر عليها الأعراض في الوقت المناسب. ويستغرق تشخيص ثلث المريضات خمس سنوات، بينما يستغرق تشخيص بعضهن أكثر من ثماني سنوات. ويمكن أن يؤثر تأخر التشخيص سلبًا على الخصوبة، ونوعية الحياة، والوضع المالي، وفي دراسة نوعية، أبلغت 95% من المريضات المصابات بأورام ليفية مصحوبة بأعراض عن آثار نفسية لاحقة، بما في ذلك الاكتئاب والقلق والغضب واضطرابات في صورة الجسم. كما أن الوصمة والخجل المرتبطين بالحيض يعيقان النقاش والبحث والدعوة والابتكار في هذا المجال. ومن بين المريضات اللاتي شُخِّصت لديهن الأورام الليفية بالموجات فوق الصوتية، لم يكن 50% إلى 72% على دراية مسبقة بإصابتهن بها، مما يشير إلى أن الموجات فوق الصوتية قد تُستخدم على نطاق أوسع في تقييم هذا المرض الشائع.
يزداد معدل الإصابة بالأورام الليفية الرحمية مع التقدم في السن حتى سن اليأس، ويكون أعلى لدى السود منه لدى البيض. بالمقارنة مع غير السود، يُصاب السود بالأورام الليفية الرحمية في سن أصغر، ويكون لديهم خطر تراكمي أعلى لظهور الأعراض، ويعانون من عبء مرضي أعلى بشكل عام. بالمقارنة مع القوقازيين، يكون السود أكثر مرضًا وأكثر عرضة للخضوع لاستئصال الرحم واستئصال الورم العضلي. بالإضافة إلى ذلك، كان السود أكثر ميلًا من البيض لاختيار العلاج غير الجراحي وتجنب الإحالات الجراحية لتجنب احتمالية الخضوع لاستئصال الرحم.
يمكن تشخيص الأورام الليفية الرحمية مباشرةً بالموجات فوق الصوتية للحوض، ولكن تحديد من يجب فحصه ليس بالأمر السهل، ويُجرى الفحص حاليًا عادةً بعد كبر حجم الأورام الليفية أو ظهور أعراضها. قد تتداخل الأعراض المصاحبة للأورام الليفية الرحمية مع أعراض اضطرابات التبويض، واعتلال العضلة الغدية، وعسر الطمث الثانوي، واضطرابات الجهاز الهضمي.
لأن كلاً من الساركوما والأورام الليفية تظهر ككتل عضلية، وغالبًا ما تكون مصحوبة بنزيف رحمي غير طبيعي، يُخشى من عدم اكتشاف ساركوما الرحم على الرغم من ندرتها النسبية (حالة واحدة من كل 770 إلى 10,000 زيارة بسبب نزيف رحمي غير طبيعي). وقد أدت المخاوف بشأن الساركوما العضلية الملساء غير المُشخصة إلى زيادة معدلات استئصال الرحم وانخفاض استخدام الإجراءات الجراحية طفيفة التوغل، مما يُعرّض المريضات لخطر مضاعفات غير ضرورية بسبب سوء تشخيص ساركوما الرحم التي تنتشر خارج الرحم.
التشخيص والتقييم
من بين طرق التصوير المختلفة المستخدمة لتشخيص الأورام الليفية الرحمية، يُعدّ تصوير الحوض بالموجات فوق الصوتية الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة، إذ يُوفّر معلومات عن حجم الأورام الليفية الرحمية وموقعها وعددها، ويُمكنه استبعاد الكتل الملحقة. كما يُمكن استخدام تصوير الحوض بالموجات فوق الصوتية في العيادات الخارجية لتقييم النزيف الرحمي غير الطبيعي، ووجود كتلة حوضية ملموسة أثناء الفحص، والأعراض المُصاحبة لتضخم الرحم، بما في ذلك ضغط الحوض والغازات البطنية. إذا تجاوز حجم الرحم 375 مل أو تجاوز عدد الأورام الليفية 4 أورام (وهو أمر شائع)، فإن دقة التصوير بالموجات فوق الصوتية تكون محدودة. يُعدّ التصوير بالرنين المغناطيسي مفيدًا جدًا عند الاشتباه في الإصابة بورم الرحم، وعند التخطيط لبديل لاستئصال الرحم، وفي هذه الحالة، تُعدّ المعلومات الدقيقة حول حجم الرحم، وخصائص التصوير، وموقعه أمرًا بالغ الأهمية لنتائج العلاج (الشكل 1). إذا كان الاشتباه في وجود أورام ليفية تحت المخاطية أو آفات بطانة الرحم الأخرى، فقد يكون تصوير الرحم بالموجات فوق الصوتية باستخدام محلول ملحي أو تنظير الرحم مفيدًا. لا تعد التصوير المقطعي المحوسب مفيدًا لتشخيص الأورام الليفية الرحمية بسبب ضعف وضوحه وتصويره لمستوى الأنسجة.
في عام ٢٠١١، نشر الاتحاد الدولي لأمراض النساء والتوليد نظام تصنيف للأورام الليفية الرحمية بهدف وصف موقعها بالنسبة لتجويف الرحم وسطح الغشاء المصلي بشكل أفضل، بدلاً من المصطلحات القديمة مثل الأغشية تحت المخاطية، والأغشية داخل الجدار، والأغشية تحت المصلية، مما يسمح بتواصل وتخطيط علاجي أوضح (جدول الملحق التكميلي S3، متوفر مع النص الكامل لهذه المقالة على موقع NEJM.org). نظام التصنيف هو من النوع ٠ إلى ٨، حيث يشير الرقم الأصغر إلى أن الورم الليفي أقرب إلى بطانة الرحم. تُمثل الأورام الليفية الرحمية المختلطة برقمين مفصولين بواصلات. يشير الرقم الأول إلى العلاقة بين الورم الليفي وبطانة الرحم، ويشير الرقم الثاني إلى العلاقة بين الورم الليفي والغشاء المصلي. يساعد نظام تصنيف الأورام الليفية الرحمية هذا الأطباء على تحديد التشخيص والعلاج بشكل أفضل، ويحسن التواصل.
علاج
في معظم الأنظمة العلاجية لغزارة الطمث المرتبطة بالورم العضلي، يُعدّ التحكم في غزارة الطمث باستخدام هرمونات منع الحمل الخطوة الأولى. يمكن أيضًا استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية وحمض التراناتيموسيكيك أثناء الدورة الشهرية لتقليل غزارة الطمث، ولكن هناك أدلة متزايدة على فعالية هذه الأدوية في حالات غزارة الطمث مجهولة السبب، وعادةً ما تستبعد التجارب السريرية على هذا المرض المريضات المصابات بأورام ليفية عملاقة أو تحت المخاطية. وقد تمت الموافقة على استخدام منبهات هرمون إطلاق الغدد التناسلية (GnRH) طويلة المفعول لعلاج الأورام الليفية الرحمية قبل الجراحة على المدى القصير، والتي يمكن أن تسبب انقطاع الطمث لدى ما يقرب من 90% من المريضات وتقلل من حجم الرحم بنسبة 30% إلى 60%. ومع ذلك، ترتبط هذه الأدوية بارتفاع معدل حدوث أعراض قصور الغدد التناسلية، بما في ذلك فقدان العظام والهبات الساخنة. كما أنها تسبب "توهجات ستيرويدية" في معظم المرضى، حيث يتم إطلاق الغدد التناسلية المخزنة في الجسم وتسبب فترات ثقيلة في وقت لاحق عندما تنخفض مستويات هرمون الاستروجين بسرعة.
يُعد استخدام العلاج المركب الفموي بمضادات GnRH لعلاج الأورام الليفية الرحمية تقدمًا كبيرًا. تجمع الأدوية المعتمدة في الولايات المتحدة مضادات GnRH الفموية (إيلاجوليكس أو ريلوجوليكس) في أقراص أو كبسولات مركبة مع الإستراديول والبروجيستيرون، اللذين يثبطان إنتاج الستيرويدات المبيضية بسرعة (ولا يُسببان تحفيزًا للستيرويدات)، وجرعات من الإستراديول والبروجيستيرون تجعل المستويات الجهازية مماثلة للمستويات الجريبية المبكرة. يحتوي أحد الأدوية المعتمدة بالفعل في الاتحاد الأوروبي (لينزاجوليكس) على جرعتين: جرعة تُثبط جزئيًا وظيفة الوطاء، وجرعة تُثبط وظيفة الوطاء تمامًا، وهي مماثلة للجرعات المعتمدة لإيلاجوليكس وريلوجوليكس. يتوفر كل دواء في شكل مُحضر مع أو بدون الإستروجين والبروجيستيرون. بالنسبة للمرضى الذين لا يرغبون في استخدام الستيرويدات التناسلية الخارجية، يُمكن لتركيبة لينزاغوليكس منخفضة الجرعة، دون إضافة الستيرويدات التناسلية (الإستروجين والبروجسترون)، أن تُحقق نفس تأثير تركيبة مُركّبة عالية الجرعة تحتوي على هرمونات خارجية. يُمكن للعلاج المُركّب، أو العلاج الذي يُثبّط وظيفة الوطاء جزئيًا، أن يُخفّف الأعراض بتأثيرات تُضاهي العلاج الأحادي بجرعة كاملة من مُضادات GnRH، ولكن بآثار جانبية أقل. من مزايا العلاج الأحادي عالي الجرعة أنه يُقلّل حجم الرحم بفعالية أكبر، وهو ما يُشبه تأثير مُنشّطات GnRH، ولكن بأعراض قصور في الغدد التناسلية أكثر.
تُظهر بيانات التجارب السريرية أن تركيبة مضادات GnRH الفموية فعالة في تقليل غزارة الطمث (انخفاض بنسبة 50% إلى 75%)، والألم (انخفاض بنسبة 40% إلى 50%)، والأعراض المصاحبة لتضخم الرحم، مع تقليل حجم الرحم بشكل طفيف (انخفاض بنسبة 10% تقريبًا في حجم الرحم) مع آثار جانبية أقل (عانت أقل من 20% من المشاركات من الهبات الساخنة والصداع والغثيان). كانت فعالية العلاج المركب الفموي بمضادات GnRH مستقلة عن مدى الورم العضلي الليفي (حجم أو عدد أو موقع الأورام الليفية)، أو وجود عضال غدي، أو عوامل أخرى تحد من العلاج الجراحي. تمت الموافقة حاليًا على تركيبة مضادات GnRH الفموية لمدة 24 شهرًا في الولايات المتحدة وللاستخدام لأجل غير مسمى في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لم يثبت أن لهذه الأدوية تأثيرًا مانعًا للحمل، مما يحد من الاستخدام طويل الأمد لدى العديد من الأشخاص. وتجري حاليًا تجارب سريرية لتقييم التأثيرات المانعة للحمل للعلاج المركب ريلوغوليكس (رقم التسجيل NCT04756037 على ClinicalTrials.gov).
في العديد من الدول، تُعدّ مُعدّلات مستقبلات البروجسترون الانتقائية نظامًا دوائيًا. إلا أن المخاوف بشأن سمية الكبد النادرة والخطيرة حدّت من قبول هذه الأدوية وتوافرها. لم تُعتمد أي مُعدّلات مستقبلات البروجسترون الانتقائية في الولايات المتحدة لعلاج الأورام الليفية الرحمية.
استئصال الرحم
في حين اعتُبر استئصال الرحم علاجًا جذريًا للأورام الليفية الرحمية، تشير البيانات الجديدة حول نتائج العلاجات البديلة المناسبة إلى أنها قد تكون مشابهة لاستئصال الرحم من نواحٍ عديدة على مدى فترة زمنية مُحكمة. تشمل عيوب استئصال الرحم، مقارنةً بالعلاجات البديلة الأخرى، مخاطر ما قبل الجراحة واستئصال قناة فالوب (إذا كان جزءًا من العملية). قبل مطلع القرن العشرين، كان استئصال المبيضين مع استئصال الرحم إجراءً شائعًا، وأظهرت دراسات الأتراب الكبيرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن استئصال المبيضين ارتبط بزيادة خطر الوفاة وأمراض القلب والأوعية الدموية والخرف وأمراض أخرى مقارنةً باستئصال الرحم مع الاحتفاظ بالمبيضين. منذ ذلك الحين، انخفض معدل استئصال قناة فالوب جراحيًا، بينما لم ينخفض معدل استئصال الرحم جراحيًا.
أظهرت دراسات متعددة أنه حتى في حالة الحفاظ على كلا المبيضين، فإن خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والقلق والاكتئاب والوفاة بعد استئصال الرحم يزداد بشكل كبير. المرضى الذين تبلغ أعمارهم 35 عامًا أو أقل وقت استئصال الرحم هم الأكثر عرضة للخطر. من بين هؤلاء المرضى، كان خطر الإصابة بأمراض الشريان التاجي (بعد تعديل العوامل المربكة) وقصور القلب الاحتقاني أعلى بمقدار 2.5 مرة لدى النساء اللائي خضعن لاستئصال الرحم وأعلى بمقدار 4.6 مرة لدى النساء اللائي لم يخضعن لاستئصال الرحم خلال فترة متابعة متوسطة تبلغ 22 عامًا. كانت النساء اللائي خضعن لاستئصال الرحم قبل سن الأربعين واحتفظن بمبايضهن أكثر عرضة للوفاة بنسبة 8 إلى 29 في المائة من النساء اللائي لم يخضعن لاستئصال الرحم. ومع ذلك، كان لدى المرضى اللائي خضعن لاستئصال الرحم أمراض مصاحبة أكثر، مثل السمنة وفرط شحميات الدم أو تاريخ من الجراحة، من النساء اللائي لم يخضعن لاستئصال الرحم، ولأن هذه الدراسات كانت رصدية، لم يكن من الممكن تأكيد السبب والنتيجة. على الرغم من أن الدراسات قد ضبطت هذه المخاطر الكامنة، إلا أنه لا يزال من الممكن وجود عوامل تداخلية غير مُقاسة. ينبغي شرح هذه المخاطر للمرضى الذين يفكرون في استئصال الرحم، حيث إن العديد من مرضى الأورام الليفية الرحمية لديهم بدائل أقل تدخلاً.
لا توجد حاليًا استراتيجيات وقائية أولية أو ثانوية للأورام الليفية الرحمية. وقد كشفت الدراسات الوبائية عن عوامل متعددة مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بالأورام الليفية الرحمية، منها: تناول المزيد من الفاكهة والخضراوات وتقليل تناول اللحوم الحمراء؛ ممارسة الرياضة بانتظام؛ التحكم في الوزن؛ الحفاظ على مستويات طبيعية من فيتامين د؛ الولادة الطبيعية؛ استخدام موانع الحمل الفموية؛ ومستحضرات البروجسترون طويلة المفعول. هناك حاجة إلى تجارب عشوائية محكومة لتحديد ما إذا كان تعديل هذه العوامل يمكن أن يقلل من الخطر. وأخيرًا، تشير الدراسة إلى أن التوتر والعنصرية قد يلعبان دورًا في الظلم الصحي المرتبط بالأورام الليفية الرحمية.
وقت النشر: 9 نوفمبر 2024




